نداء الفيدرالية الوطنية لجمعيات الآباء: صرخة تربوية في زمن الانفلات

نداء الفيدرالية الوطنية لجمعيات الآباء: صرخة تربوية في زمن الانفلات

هشام التواتي

في ظل أجواء مشحونة تشهدها عدد من المدن المغربية، وبعد تصاعد موجات من الانفلاتات الأمنية والسلوكات التخريبية التي مست الممتلكات العامة والخاصة، جاء نداء الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025، ليعبّر عن موقف حازم وواضح من التطورات الأخيرة، وليؤكد أن المدرسة والأسرة والمجتمع المدني مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التكتل دفاعاً عن القيم التربوية والوطنية التي بدأت تتعرض لاهتزاز خطير.

النداء، الصادر عن المكتب التنفيذي للفيدرالية، لم يأت من فراغ، بل جاء في توقيت حساس تتداخل فيه التحديات الأمنية مع التحولات المجتمعية، ويُسجَّل فيه حضور مقلق لبعض مظاهر الانفلات وسط فئة من الشباب، وهو ما يضع المنظومة التربوية والأسر المغربية أمام مسؤولية تاريخية تتجاوز حدود التلقين المدرسي لتطال جوهر بناء الإنسان المواطن.

في هذا السياق، عبّرت الفيدرالية عن إدانتها القوية للأعمال التخريبية التي شهدتها بعض المدن، معتبرةً إياها ضرباً في الصميم لقيم المواطنة والسلم الاجتماعي، ومُسيئة لصورة الشباب المغربي وللرسالة النبيلة التي يفترض أن تضطلع بها المدرسة. ومما يضفي على هذا النداء طابع الاستعجال والجدية، هو تحذيره الضمني من العواقب التربوية والاجتماعية لمثل هذه الانفلاتات، خاصة إذا ظلت دون تأطير مجتمعي جماعي ومتواصل.

الفيدرالية لم تكتف بالإدانة، بل وجّهت نداء مباشراً إلى جميع جمعيات الآباء والأمهات عبر الوطن من أجل الانخراط الفعّال في التوجيه والتحسيس، داعيةً إلى لعب دور الوسيط التربوي الذي يربط بين البيت والمدرسة، ويوجه التلميذ نحو السلوك المسؤول، ويُبعِده عن كل مظاهر الانحراف والانزلاق التي قد تجهض مستقبله وتضر بصورة المجتمع ككل.

كما أكدت الفيدرالية على ضرورة تضافر جهود مكونات المجتمع المدني، من جمعيات ومؤسسات ثقافية وتربوية، لترسيخ قيم الحوار والتعايش وتعزيز روح الانتماء الوطني، خاصة في صفوف الناشئة التي باتت تتأثر بسهولة بموجات العنف الرمزي والفعلي، سواء داخل الفضاءات العمومية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ولم يغب عن نداء الفيدرالية التنويه بدور السلطات الأمنية، حيث شددت على أن احترام هذه السلطات واجب وطني وأخلاقي، باعتبارها أحد أعمدة الاستقرار والسلم المجتمعي، كما وجّهت دعوة صريحة للسلطات التربوية من أجل بذل المزيد من الجهود لتحسين واقع التعليم وضمان تكافؤ الفرص، بما يحد من مشاعر التهميش التي قد تُستثمر في إذكاء العنف والاحتقان.

نداء اليوم ليس مجرد بيان عابر، بل هو مرآة لواقع مقلق يحتاج إلى صحوة جماعية وإلى تفعيل حقيقي لشعار “المدرسة فضاء للقيم”. فحين تسقط بعض القيم في محيط الناشئة، تكون المدرسة والأسرة أول الخاسرين، ويصبح المجتمع بأسره مهدداً في أمنه واستقراره. من هنا، فإن تجاوب كل الفاعلين مع هذا النداء هو السبيل نحو استعادة البوصلة التربوية، وتحصين الأجيال من كل مظاهر العنف والفراغ القيمي، في أفق بناء مجتمع متماسك، قوامه المواطنة والكرامة والمسؤولية المشتركة.