عندما تتحول الصفحات إلى جسور: المغرب في موعد دبي مع تتويج ثقافة القراءة

عندما تتحول الصفحات إلى جسور: المغرب في موعد دبي مع تتويج ثقافة القراءة

هشام التواتي

غادرت بعثة تربوية مغربية، يوم السبت 18 أكتوبر الجاري، أرض الوطن نحو مدينة دبي، حاملةً معها أحلام ثلاثة عشر قارئاً وقارئة، ممّن خطفوا الأضواء في الدورة التاسعة من تحدي القراءة العربي. هذا المشروع الثقافي الضخم، الذي بات علامة فارقة في خريطة المبادرات الداعمة للكتاب، ليس مجرد مسابقة للتفوق في عدد الصفحات المقروءة، بل هو رسالة حضارية تضع القراءة في صلب مشروع النهضة العربية. ففي عصر طغت فيه الصورة السريعة والمنشور المختصر، يأتي "التحدي" ليذكرنا بأن العمق الفكري والثراء المعرفي لا يزالان ينبضان بين دفتي الكتاب.

إن أهمية القراءة تتجاوز بكثير نطاق التحصيل الأكاديمي أو التنافس على الجوائز، فهي ركيزة أساسية لبناء الشخصية الناقدة، والمواطن الواعي، والمجتمع المتسامح. وهي السلاح الأقوى لمواجهة تحديات العصر، من خلال توسيع الآفاق وتطوير القدرات التحليلية والإبداعية. وفي هذا السياق، تبرز مسابقة تحدي القراءة العربي، بمبادرة كريمة من دولة الإمارات العربية المتحدة، كأحد أبرز المشاريع العربية الرامية إلى ترسيخ هذه العادة الحميدة بين الناشئة، وتحويلها من فعل فردي إلى حراك جماعي، يخلق جيلاً جديداً متعلقاً بلغته وثقافته، منفتحاً على آداب العالم وعلومه.

إن مشاركة الوفد التلاميذي المغربي في هذا المحفل الدولي، بطلَّيه آدم الروداني ووئام شكوك بطلة فئة ذوي الهمم، ليست مجرد حضور شكلي، بل هي دلالة عميقة على عدة مستويات. فهي أولاً، شهادة على حيوية قدرة المملكة على إفراز مواهب قادرة على المنافسة في الساحات العربية. وهي ثانياً، تأكيد على المكانة التي تحتلها الثقافة والقراءة في السياسات التربوية الوطنية، حيث يصبح التلميذ المغربي سفيراً لبلاده بفضل ما اكتسبه من معارف. والأهم من ذلك، أن هذه المشاركة تبعث برسالة إيجابية إلى كل التلاميذ المغاربة مفادها أن الإصرار والعزيمة هما مفتاحا التميز، وأن الهمم العالية، كما تجسدها وئام، قادرة على تجاوز كل التحديات.

إن هذين البطلين، وغيرهما من المتفوقين، يمثلان وجه المغرب المشرق، المغرب الذي يؤمن بأن مستقبله رهين باستثماره في عقول أبنائه. إنهم ليسوا مجرد أسماء سُطِّرت في لوائح الفائزين، بل هم مشاعل تنير الدرب للأجيال القادمة، مُثبِتين أن القراءة هي أقصر الطرق لبناء الذات وخدمة الوطن. فالفوز باللقب، دون شك، هو أمل مشروع وهدف نبيل، ولكن الحقيقة الأكثر روعة هي أن رحلة المشاركة نفسها هي الجائزة الحقيقية التي ستصاحبهم طوال حياتهم. كل التوفيق لبطلينا، ولكل من يحمل كتاباً ويؤمن بأن صفحاته قادرة على تغيير العالم.