ندوة وطنية استثنائية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس احتفاءً برموز القانون وخمسين سنة من التميز الأكاديمي

هشام التواتي
شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، يوم الأربعاء 11 يونيو 2025، ندوة وطنية من الطراز الرفيع، نظّمت احتفاءً بالذكرى الخمسين لتأسيس الجامعة، وتحت عنوان بارز يعكس عمق التجربة الدستورية المغربية، من خلال قراءة في أربعة كتب تكريمية جماعية تضم نحو مئة مساهمة علمية متخصصة في الشأن الدستوري.
وقد جمعت هذه التظاهرة الأكاديمية نخبة من الأساتذة الجامعيين، والقضاة، والمحامين، وطلبة البحث، إلى جانب ممثلين عن الجسم الإعلامي، في حدث حمل رسائل معرفية واعترافية بامتياز، سعى إلى مزاوجة الذاكرة المؤسسية بالإنتاج الفكري، وتكريس تقاليد الاحتفاء بالرموز العلمية التي أرست معالم الفقه الدستوري في المغرب.
في كلمته الافتتاحية، اعتبر رئيس الجامعة، الدكتور مصطفى إيجاعلي، أن هذه الندوة تُجسّد لحظة علمية فارقة في تاريخ المؤسسة، بالنظر إلى ما تحمله من دلالات رمزية ومعرفية، مشيدًا بالقامات القانونية التي تم تكريمها، لما قدمته من إسهامات نوعية في بناء خطاب دستوري مغربي متماسك وفاعل. ولم يفته أن ينوّه بالحضور المميز لرئيس المحكمة الدستورية، الدكتور أمين بن عبد الله، الذي لبّى الدعوة رغم التزاماته الوازنة، معتبراً مشاركته دعماً معنوياً كبيراً لهذا الموعد العلمي.
التحية امتدت أيضاً إلى شخصيات بارزة في الحقل الدستوري، من بينها الأستاذ الدكتور محمد بن محمد المالكي، أحد أبرز الوجوه الأكاديمية في المغرب، والدكتورة أمينة المسعودي، عضو المحكمة الدستورية، إلى جانب الدكتور محمد أشركي، الرئيس السابق للمجلس الدستوري وعضو أكاديمية المملكة المغربية، حيث أُجمع على أثرهم العميق في بلورة التصورات الدستورية داخل المؤسسات وخارجها.
من جهته، شدد عميد الكلية، الدكتور محمد بوزلافة، على أن هذه الندوة لا تنفصل عن احتفالات الجامعة بمرور نصف قرن على تأسيسها، مبرزًا المكانة الريادية التي باتت تحتلها على المستوى الوطني. واعتبر المناسبة لحظة وفاء لرجالات الفكر القانوني، وفرصة لتكريس تقليد الاعتراف بالعطاء العلمي والفكري.
في السياق ذاته، عبّر رئيس شعبة القانون العام، الدكتور سعيد الصديقي، عن اعتزازه باحتضان الكلية لهذه الفعالية، واصفًا إياها بمحطة علمية واحتفالية تستحقها الجامعة وتستحقها القامات المُكرّمة. بينما أشار الدكتور بدر الخالدي، مدير مختبر الدراسات القانونية والسياسية، إلى أن الكتب الأربعة التي تم تناولها في الندوة تمثل فسيفساء معرفية غنيّة، حيث قاربت مختلف الإشكاليات الدستورية من زوايا نظر متعددة، ما يعكس الحيوية النظرية التي يعرفها هذا المجال بالمغرب.
أما منسق الندوة، الدكتور أمين السعيد، فقد توقف عند أهمية الدعم المؤسساتي الذي لقيته هذه المبادرة، مثمّنًا مواكبة رئاسة الجامعة والعمادة وكافة الأطقم الإدارية والعلمية، معتبراً أن روح الفريق كانت مفتاحاً لنجاح التظاهرة. كما أشار إلى أن الندوة تميّزت بموضوعها وعمق مضامينها وعلوّ قدر ضيوفها.
الجلسة الأولى، التي أدارها الدكتور السعيد، شهدت مداخلات نوعية ألقتها شخصيات دستورية مرموقة، تناولت فيها قضايا مرتبطة بتطور الفكر الدستوري المغربي، ولامست بدقة تحولات البناء المؤسسي والدلالات الفكرية للممارسة الدستورية الوطنية.
أعقبت هذه الجلسة لحظة تكريمية مؤثرة، جسدت عمق الاحترام الذي تكنّه الأوساط الأكاديمية لهؤلاء العلماء، واستحضرت رمزية عطائهم في خدمة الجامعة المغربية والحقل الدستوري على مدى عقود.
الجلسات الموالية واصلت هذا الزخم، إذ قدم خلالها أساتذة مرموقون عشر قراءات علمية عميقة، تحت إشراف كل من الأستاذين سعيد مشاك وبدر الخالدي، في نقاش استغرق أكثر من خمس ساعات، ظل فيها الحضور مشدوداً إلى ما طُرح من أفكار وتحليلات عكست ثراء النقاش ورفعة مستواه العلمي.
بهذه الندوة، تكون جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس قد جدّدت التزامها برسالتها العلمية، وأكدت دورها المحوري في ترسيخ ثقافة الاعتراف وتخليد رموز المعرفة، وفي فتح مسارات جديدة أمام البحث الأكاديمي في حقل الدستور والقانون العام، في زمن يتطلب حضوراً فكرياً رصيناً وتفاعلاً مؤسسياً وازناً.