المغرب وموريتانيا : شراكة أكاديمية تُعزّز التكامل وتصنع المستقبل

هشام التواتي
في إطار التعاون المتجدّد بين المغرب وموريتانيا، تبرز العلاقات الأكاديمية كأحد أبرز روافع التكامل بين البلدين الشقيقين. فبعد أشهر قليلة من توقيع اتفاقية شراكة بين كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس ونظيرتها في نواكشوط (دجنبر 2024)، تأتي زيارة الوفد الأكاديمي المغربي إلى العاصمة الموريتانية خلال الفترة من 24 إلى 30 أبريل 2025، في إطار فعاليات "أسبوع المغرب في موريتانيا" تحت شعار "معًا لبناء شراكة تضامنية"، لتعكس تجسيدًا عمليًا لهذه الشراكة، وتؤكد أن التعاون العلمي بين المؤسستين لم يعد مجرد وثيقة موقّعة، بل تحوّل إلى واقع ملموس.
هذه الزيارة، التي تأتي في سياق احتفالي ومعرفي مميز، تكتسي أهمية مضاعفة؛ فهي من ناحية تندرج ضمن الجهود الرامية إلى تعزيز التضامن بين البلدين، ومن ناحية أخرى تؤكد أن الشراكة الأكاديمية تشكل أحد أهم الدعائم التي تقوم عليها هذه العلاقات. ففي قاعات جامعة نواكشوط، حيث تُناقش أطروحات الدكتوراه في تخصصات القانون والاقتصاد، يجلس أساتذة مغاربة من جامعات فاس والرباط ومكناس إلى جانب زملائهم الموريتانيين، ليس كحُكّام على نصوص، بل كشركاء في بناء معرفة مشتركة. حضور أسماء مثل الدكتور محمد بوزلافة (عميد كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس)، والدكتور عبد الرزاق الهيري والدكتور المصطفى منار، و الدكتور هشام حقّوني، والدكتور محمد المكلف والدكتور محمد أحمدي، يمثّل تتويجًا للجهود التي بُذلت منذ توقيع الاتفاقية، والتي هدفت بالأساس إلى تعزيز تبادل الخبرات وتطوير البحث العلمي المشترك.
هذه الخطوة لم تأت من فراغ، بل هي استكمال لمسار بدأ قبل أشهر، حين استقبلت كلية فاس وفدًا موريتانيًا رفيع المستوى برئاسة عميد كلية نواكشوط، لتُوقّع الاتفاقية التي تُعتبر امتدادًا للاتفاق الإطار المبرم بين جامعتي فاس ونواكشوط. وتأتي هذه الخطوات المتلاحقة تماشيًا مع التوجيهات الملكية السامية التي تجعل من التعاون جنوب-جنوب أولوية استراتيجية، وتؤكد أن إرادة البلدين تتجه نحو تعزيز شراكة شاملة، يكون العلم ركيزتها الأساس.
ما يميز هذه الشراكة هو طابعها التكاملي؛ فموريتانيا، بتراثها الفقهي والقانوني العريق، والمغرب، بخبرته الأكاديمية والتسييرية المتراكمة، يُقدّمان نموذجًا للتعاون القائم على التكامل لا المنافسة. فبينما تفتح كلية فاس أبوابها للطلبة الموريتانيين في مستويات الماستر والدكتوراه، وتُشركهم في برامجها البحثية، تستفيد جامعة نواكشوط من الخبرات المغربية في الارتقاء بجودة مناقشاتها الأكاديمية، وتطوير آليات التسيير والإدارة.
ولعلّ الأهم في هذه الشراكة هو أنها لا تقتصر على الجانب النظري، بل تمتد إلى آفاق عملية واعدة، كتنظيم ندوات مشتركة، وإطلاق مشاريع بحثية حول قضايا إقليمية ملحّة، وتبادل الطلبة والأساتذة، وصولًا إلى الإشراف المشترك على الأطروحات. كلّها مؤشرات تؤكد أن التعاون المغربي الموريتاني في المجال الأكاديمي يسير بخطى ثابتة نحو تأسيس نموذج رائد في التكامل العلمي بين بلدان الجنوب.
في الختام، فإنّ ما تشهده العلاقات الأكاديمية بين المغرب وموريتانيا، خاصة في إطار "أسبوع المغرب في موريتانيا" الذي يحمل شعارًا يعكس روح التضامن بين البلدين، ليس سوى حلقة من حلقات التعاون المتين، لكنها حلقة بالغة الأهمية، لأنها تمسّ صميم المستقبل: بناء الأجيال، وتطوير المعرفة، وخلق جسور التواصل التي لا تنقطع. فبقدر ما تكون الجامعات جسرًا للعلم، تكون أيضًا جسرًا للتقارب، وهذا هو بالضبط ما يعكسه هذا التعاون الواعد بين فاس ونواكشوط.