بعد توقف دام سنوات ، عودة قوية للمنتدى الجهوي للتوجيه بأكاديمية فاس مكناس

هشام التواتي
في عالم يتسم بالتسارع المعرفي والتطور التكنولوجي المتلاحق، يظل التوجيه المدرسي والمهني حجر الزاوية في بناء مستقبل الأجيال الناشئة، فهو الجسر الذي يعبر من خلاله التلاميذ من مرحلة التلقين إلى فضاءات الإبداع والتميز. وفي هذا السياق، يأتي المنتدى الجهوي للتوجيه المدرسي والجامعي والمهني بجهة فاس مكناس، الذي نظمته الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين يومي 18 و 19 أبريل الجاري، ليشكل منعطفاً حاسماً في مسارات التلاميذ والطلبة، حيث يجسد لقاءً حياً بين طموحات الشباب وواقع الفرص المتاحة.
لا يخفى على أحد أن التوجيه التربوي ليس مجرد خطوة عابرة في حياة التلميذ، بل هو عملية تراكمية تبدأ باكراً وتستمر عبر السنوات، كما أشار إلى ذلك إسماعيل الربيعي، رئيس المركز الجهوي للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي. فالتوجيه السليم يُبنى على أسس متينة من الوعي الذاتي، والمعرفة الدقيقة بالمسارات الدراسية، ومتطلبات سوق العمل. وهذا ما يجعل من هذا المنتدى فرصة ثمينة للتلاميذ لاكتشاف ذواتهم، والتعرف على إمكانياتهم، واختيار المسار الذي يتناغم مع طموحاتهم وقدراتهم، بعيداً عن العشوائية أو ضغوط اللحظة.
لقد نجح المنتدى، بحسب التصريحات المتنوعة، في خلق فضاء تفاعلي يجمع بين مختلف الفاعلين في حقل التربية والتكوين، حيث توافدت الجامعات والمعاهد العليا ومراكز التكوين المهني، إلى جانب ممثلي القطاعات الأمنية كالأمن الوطني والدرك الملكي، مما وفر للتلاميذ رؤية شاملة لمختلف الفرص المتاحة. وهذا التنوع ليس مجرد عرض للإمكانيات، بل هو إضاءة على أهمية التكامل بين التعليم العام والتكوين المهني، وكذا بين المعرفة النظرية والمهارات العملية، وهو ما أكده محمد برزوق، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات الآباء بفاس، عندما أشاد بالحضور الوازن لمختلف الأروقة.
ولا يمكن إغفال الدور المحوري لأولياء الأمور في هذه المعادلة، إذ أن دعمهم ووعيهم بآليات التوجيه يعد عاملاً حاسماً في نجاح أبنائهم. وقد عبر محمد برزوق والعسري أحمد، باسم جمعيات الآباء، عن ارتياحهما لهذه المبادرة، معتبران إياها فرصة لتعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة، مما يعكس إدراكاً جماعياً لأهمية التوجيه المشترك الذي يجنب الأسر مزالق القرارات الفردية غير المدروسة.
أما التلميذة ملاك، التي عبرت عن مشاعر التردد والخوف التي تعتري الكثيرين في مرحلتها، فقد كشفت عن الجانب الإنساني في هذه العملية، حيث يتحول اللقاء المباشر مع المختصين وممثلي المؤسسات إلى منصة لتذليل المخاوف وتبديد الضبابية حول المستقبل. فالتواصل وجهاً لوجه، كما جاء في تصريحها، يمنح الثقة ويُشرك التلميذ في صنع قراره، بدلاً من أن يكون مجرد متلقٍ لأفكار جاهزة.
إن نجاح هذه التظاهرة، التي ساهم فيها جميع المتدخلين كل من موقعه، ليس مقتصراً على العدد الكبير للزوار أو المشاركين، بل يتعداه إلى تحقيق الهدف الأسمى، وهو تمكين التلاميذ من امتلاك زمام قرارتهم المصيرية. فبعد سنوات من التوقف بسبب الجائحة، عاد هذا المنتدى ليثبت أن التوجيه التربوي ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة في عالم تتقاطع فيه المسارات وتتشابك فيه الخيارات.
ختاماً، يمكن القول إن هذا المنتدى قد نجح في تجسيد رؤية متكاملة للتوجيه، حيث أصبحت المعلومات في متناول الجميع، والفرص مرئية، والشكوك قابلة للتبدد. وهو ما يعكس التزام الأكاديمية الجهوية وشركائها ببناء جيل واعٍ باختياراته، قادر على مواكبة تحولات العصر، ومؤهل لصنع مستقبل مشرق لا يعترف إلا بالكفاءة والإصرار.