كلية الشريعة بفاس تعزز مكانتها كقطب أكاديمي منفتح ومندمج في محيطه
هشام التواتي
تعيش كلية الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس دينامية أكاديمية وتنظيمية متميزة مع انطلاق الدخول الجامعي الجديد، في سياق يتسم بتزايد الطلب على التكوينات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح، خصوصا في جهة فاس مكناس. فقد عرفت عملية التسجيل القبلي للطلبة الجدد والقدامى انطلاقة متزامنة مع باقي كليات الجامعة عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض، تلتها مرحلة التسجيل الفعلي داخل المؤسسة، والتي سخرت لها عمادة الكلية موارد بشرية من الأطر الإدارية وطلبة الدكتوراه وطلبة الساحة، مما ساهم في مرور العملية في ظروف جيدة.
وقد بلغ عدد الطلبة الجدد الذين التحقوا بالكلية حوالي 800 طالب وطالبة، مسجلين في المسالك المعتمدة سابقاً، في حين تم تعبئة المعطيات الخاصة بالمسالك الجديدة في المنصة، على أن يتم اعتمادها لاحقا بعد استكمال المساطر البيداغوجية والهياكل المؤسساتية اللازمة. أما بخصوص الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا في سنوات سابقة والراغبين في الالتحاق بالكلية، فقد بلغ عدد الطلبات التي تنتظر مداولات اللجنة البيداغوجية نحو 400 طلب.
وفي ما يتعلق بسلك الماستر، سجلت الكلية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المسجلين بنسبة 20%، ضمن أفق استراتيجي يهدف إلى بلوغ نسبة تغطية تصل إلى 50% من الخريجين، في إطار تعزيز التكوين المتخصص والتأهيلي. وتتوفر الكلية حاليا على خمس ماسترات معتمدة، وتعمل على توسيع عرضها الأكاديمي ليصل إلى ثمانية.
المعطيات الرقمية تكشف عن حجم الزخم الذي تعرفه المؤسسة، إذ بلغ عدد خريجي الكلية برسم الموسم الجامعي 2024-2025 ما مجموعه 802 من الحاصلين على الإجازة في الشريعة، و243 من خريجي سلك الماستر، إلى جانب 45 دكتوراً، مما يعزز الحضور الأكاديمي والبحثي للمؤسسة داخل النسيج الجامعي الوطني.
من الناحية البيداغوجية، تستند الكلية إلى بنيات تحتية قادرة على مواكبة الطلب المتزايد، إذ تتوفر على 13 قاعة دراسية بطاقة استيعابية تتراوح بين 110 و130 مقعداً، إضافة إلى مختبرين علميين ينظمان سنوياً حوالي 48 نشاطاً علمياً موزعة بين ندوات ومحاضرات وأيام دراسية وملتقيات، تساهم في ترسيخ موقع الكلية كفضاء منتج للفكر والمعرفة.
ولا تقتصر الحياة الجامعية في كلية الشريعة على التكوين الأكاديمي فحسب، بل تمتد لتشمل انخراط الطلبة في العمل الجمعوي والثقافي، حيث تنشط داخل الكلية 13 جمعية ونادٍ طلابي، ما يعكس حيوية الحرم الجامعي وتنوع أنشطته.
الآفاق المهنية لخريجي الكلية تبقى من أبرز نقاط القوة، إذ يُقبل الخريجون على مباريات القضاء والتعليم والإرشاد الديني والمساعدين القضائيين والمحررين والعدول، مما يجعل من التكوين بالشريعة رافعة حقيقية للإدماج المهني.
وعلى مستوى الانفتاح الخارجي، نسجت الكلية شبكة من الشراكات مع مؤسسات وطنية كبرى من ضمنها التعاون الوطني والجمعية الجهوية للمحامين الشباب، بالإضافة إلى اتفاقيات تعاون دولية مع جامعات ومؤسسات في كل من أندونيسيا وتركيا وماليزيا وألمانيا، تتوج بتبادل الزيارات الطلابية وتنسيق المشاريع العلمية المشتركة.
وفي إطار العناية بالبنيات التحتية، شهدت الكلية خلال الآونة الأخيرة مجموعة من الأوراش، من بينها افتتاح مقصف جديد نهاية سنة 2023، وتأهيل البوابة الرئيسية، وإنشاء مكتبة جديدة تستجيب للمعايير الدولية، إلى جانب ربط كافة مرافق المؤسسة بشبكة الألياف البصرية لضمان ولوج سلس للإنترنت عالي الصبيب.
وتعد كلية الشريعة بفاس أول مؤسسة جامعية ذات استقطاب مفتوح على الصعيد الوطني تتوفر على ملاعب رياضية بمعايير حديثة، من ضمنها ملعب متعدد التخصصات وملعب مسيج لكرة القدم معشوشب اصطناعياً، مما يعكس الحرص على توفير بيئة جامعية متكاملة.
كما تحرص الكلية على دعم القدرات اللغوية للطلبة، من خلال تنظيم تكوينات سنوية في تسع لغات حية تشمل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية والتركية والإيطالية والأمازيغية والعربية لغير الناطقين بها، وقد استفاد من هذه التكوينات 3600 طالب، وتسلم 600 منهم شواهد تؤكد اجتيازهم لمستويات متقدمة.
وتتوج هذه الدينامية العلمية بتنظيم درس افتتاحي سنوي يؤطره أساتذة مرموقون من داخل المغرب وخارجه، مما يمنح الكلية إشعاعاً فكرياً وعلمياً متواصلاً.
ورغم هذا الزخم، تظل الحاجة ملحة إلى تعزيز الطاقة الاستيعابية للكلية، خصوصا في ظل التزايد المستمر في عدد الناجحين في البكالوريا بجهة فاس مكناس، وهو ما يستدعي الإسراع في إحداث مدرجات جديدة لضمان جودة التكوين والحفاظ على مقومات العدالة المجالية في الولوج إلى التعليم العالي.
كلية الشريعة بفاس، بما راكمته من تجربة وإشعاع، تواصل ترسيخ موقعها كمنارة علمية تجمع بين الأصالة والتجديد، وتنهض بدور محوري في تكوين أطر مؤهلة قادرة على المساهمة في التنمية الفكرية والمؤسساتية للمغرب.















