ندوة وطنية حول العقوبات البديلة بفاس : نقاش يستبق تفعيل إصلاح جذري في السياسة الجنائية المغربية

هشام التواتي
التأم لفيف من القضاة والمحامين والأكاديميين وفاعلي المجتمع المدني والطلبة الدكاترة، يوم الجمعة 20 يونيو الجاري، في قاعة المؤتمرات بفندق «رويال ميراج» بمدينة فاس، في ندوة رفيعة المستوى تناولت موضوع «العقوبات البديلة» التي من المنتظر أن تدخل حيز التنفيذ بالمغرب خلال شهر غشت القادم، بموجب مشروع القانون الجديد الذي تمت المصادقة عليه مؤخرًا.
الندوة نظمت بمبادرة مشتركة بين "الجمعية الجهوية للمحامين الشباب بفاس" و"المرصد الجهوي للجريمة" التابع لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، وامتازت بحضور وازن ومداخلات نوعية عكست انخراط النخب الوطنية في هذا الورش القانوني ذي الأبعاد الإنسانية والاجتماعية العميقة.
استُهلّت الجلسة بكلمة الأستاذ رشيد السبتي، رئيس الجمعية الجهوية للمحامين الشباب بفاس، الذي أكد على أن التحدي الحقيقي لا يكمن في صدور النص، بل في القدرة على تطبيقه ميدانيًا، مشددًا على ضرورة تظافر الجهود بين الجهاز القضائي، والإدارة السجنية، والمجتمع المدني.
عقب ذلك، قدم الأستاذ هشام ملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، مداخلة مفصلة استعرض فيها السياق العام لمشروع القانون، مؤكدًا أن الورش جاء استجابة للتوجيهات الملكية السامية، لاسيما خطاب 20 غشت 2009، ومضيفًا أن جميع النصوص التنظيمية المصاحبة أصبحت جاهزة، بما فيها المرسوم الذي يحدد شروط تنفيذ العقوبات البديلة كالسوار الإلكتروني، أو العمل لفائدة المجتمع، أو تقييد بعض الحقوق.
بدوره، أبرز الدكتور محمد بوزلافة، عميد كلية العلوم القانونية والإقتصادية والاجتماعية بفاس، أهمية الانتقال إلى نموذج عقابي حديث يقوم على إعادة الإدماج بدل الزجر فقط، واعتبر أن تخصيص العقوبات البديلة للجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات سجنًا يعد خيارًا متوازنًا.
وفي مداخلة لافتة، تناولت الأستاذة فاطمة برصات، الناشطة السياسية والجمعوية، الجانب الاجتماعي والعملي لتطبيق هذه العقوبات، منبهة إلى ضرورة وجود موارد بشرية ولوجيستية وتقنية لإنجاح التجربة، ومعتبرة أن العدالة الحقيقية لا تتحقق إلا حين تكون شروط الإنصاف متوفرة ميدانيًا، وليس فقط نظريًا.
أما الأستاذ محمد بيكرمان، المحامي بهيئة فاس، الذي ينوب عن السيد نقيب هيئة المحامين بفاس، فقد قدم قراءة قانونية مقارنة للمشروع، مستعرضًا مرجعياته الدولية، خصوصًا "قواعد طوكيو" للأمم المتحدة المتعلقة بالتدابير غير السالبة للحرية، ومحذرًا من مصير قوانين سابقة بقيت حبرًا على ورق بسبب غياب البنية التحتية الملائمة، مثل النص المتعلق بعلاج الإدمان.
وخُصصت فقرة ختامية للنقاش المفتوح، حيث تميزت تدخلات الحاضرين، من قضاة وأساتذة وطلبة باحثين، بعمق الأسئلة وراهنية الإشكالات المطروحة، وقد تولى الأستاذ هشام ملاطي الرد عليها بدقة وشفافية.
إن ندوة فاس لم تكن مجرد لقاء أكاديمي، بل شكلت لحظة حوار وطني جاد بين القانونيين وصناع القرار والباحثين، حول رؤية مشتركة لعدالة أكثر إنسانية وفعالية. وهو ما يؤكد أن المغرب، بدينامية نخبه ومؤسساته، ماضٍ، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، في ترسيخ نموذج عقابي حديث يزاوج بين الردع والإدماج، ويجعل من العدالة رافعة للتوازن المجتمعي لا أداة للعقاب فقط.