كلية الحقوق بفاس تحتضن ندوة علمية حول مدونة الأسرة المغربية : من التقييم إلى التقويم

هشام التواتي
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس يوم الأربعاء 19 مارس الجاري تنظيم ندوة علمية تحت عنوان "مدونة الأسرة المغربية: من التقييم إلى التقويم"، وذلك بمبادرة من مختبر إقلاع: القانون والفلسفة والمجتمع (فريق البحث) "القانون الدولي الخاص والأسرة وقضايا الهجرة"، ونادي الباحثين في القانون الخاص والتحولات المجتمعية، وبشراكة مع جمعية منتدى شباب المغرب للتنمية والثقافات. شكل هذا اللقاء الأكاديمي مناسبة لمناقشة مدونة الأسرة في ضوء التحولات المجتمعية والقانونية التي يشهدها المغرب، ومدى ملاءمتها للاتفاقيات الدولية والمعايير الحقوقية الكونية التي تتلاءم وخصوصية المجتمع المغربي.
افتتحت الندوة بكلمات رسمية ألقيت من قبل مسؤولين وباحثين أكدوا على أهمية هذا اللقاء العلمي في سياق التحولات التشريعية التي تشهدها مدونة الأسرة المغربية. أشار عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس الدكتور محمد بوزلافة إلى أن الكلية تظل فضاءً للحوار الأكاديمي الرصين حول القضايا المجتمعية الكبرى، مبرزًا أن مراجعة المدونة تأتي استجابة للتوجيهات الملكية الداعية إلى إصلاحها وفق مقاربة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار ثوابت الشريعة الإسلامية وروح الدستور المغربي والالتزامات الدولية.
من جهته، شدد مدير مختبر "إقلاع: القانون، الفلسفة والمجتمع"، الدكتور حسن الرحيية، على أن اختيار هذا الموضوع لم يأتِ من فراغ، بل مساهمة من المختبر في النقاش العمومي حول مدونة الاسرة واستجابةً للتحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي، وما يطرحه ذلك من تحديات تستدعي منا وقفة علمية متأنية لإعادة قراءة التحولات المجتمعية وانعكاساتها على الأسرة المغربية، وقراءة في جوانب مهمة من أحكام مدونة الأسرة بعد أكثر من عقدين من اعتمادها، وذلك بهدف استجلاء أهم التعديلات التي طرأت عليها في محاولة فهم لمدى تحقيقها للأهداف التي سطرت لها، ورصد مواطن القوة والإشكالات التي تتطلب مراجعة وإصلاحًا، مؤكدا على أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، قد أولى عنايةً خاصةً لقضايا الأسرة، إيمانًا منه بأن الأسرة هي نواة المجتمع، وأساس تماسكه واستقراره. ومن هذا المنطلق، وجه جلالته اللجنة العليا المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى إجراء إصلاح شامل ومتوازن، يرتكز على ثوابت الشريعة الإسلامية، ومبادئ العدل والمساواة، وروح الدستور المغربي، والالتزامات الدولية للمملكة. كما أكد جلالته، حفظه الله، على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية تستند إلى الإنصات لكافة الفاعلين والخبراء والمجتمع المدني، بهدف بلورة نص قانوني يضمن حقوق جميع أفراد الأسرة، ويواكب تطورات المجتمع المغربي.
أما الدكتور يونس الحكيم رئيس فريق البحث: القانون الخاص، الأسرة وقضايا الهجرة بمختبر إقلاع القانون، الفلسفة والمجتمع فقد أشار إلى أن الفلسفة المتحكمة في مدونة الأسرة تقوم على التوفيق بين المرجعية الدينية والقيم الكونية المستمدة من الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية.
كما ركزت رئيسة جمعية منتدى شباب للمغرب للتنمية والثقافات- الفرع الإقليمي بفاس على أن موضوع مدونة الأسرة يشكل أحد أبرز القضايا الاجتماعية والقانونية التي تمس بشكل مباشر حياة الأسرة المغربية، ويعد من القضايا الجوهرية التي تؤثر على استقرار المجتمع وتطويره.
بدورها، أكدت رئيسة نادي الباحثين في القانون الخاص والتحولات المجتمعية على الدور الحيوي للبحث العلمي في مواكبة الإصلاحات القانونية، معتبرة أن ضمان حقوق المرأة وحماية الأسرة يتطلب قراءة متأنية لمقتضيات المدونة بهدف تحقيق التوازن بين المرجعيات الشرعية والتحولات الاجتماعية.
وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية، انطلقت اشغال الجلسة العلمية التي ترأس أشغالها الاستاذ حسن الرحيية مدير المختبر وبعد طرحه للمداخل الأساسية لموضوع الندوة وسياقات تنظيمها، استعرض الدكتور كريم متقي في المداخلة الأولى مسيرة الإصلاحات التي شهدها قانون الأسرة في المغرب، مبرزًا التطورات التي طرأت على النصوص القانونية منذ اعتماد المدونة سنة 2004. أما الدكتور يونس الحكيم، فقد تناول مسألة ملاءمة المدونة للاتفاقيات الدولية، مسلطًا الضوء على التحديات المرتبطة بتطبيق بعض مقتضياتها في سياق الالتزامات الدولية للمغرب. وفي سياق آخر، ناقشت الدكتورة حكيمة الحطري فلسفة الوساطة الأسرية كآلية بديلة لحل النزاعات الأسرية، معتبرة إياها خيارًا استراتيجيًا لتعزيز الاستقرار العائلي وتقليل النزاعات داخل المحاكم.
أما الأستاذ علي إدريسي حسني، عضو نادي قضاة المغرب، فقد سلط الضوء على تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين من منظور القضاء التجاري، بينما قدم الدكتور عبد الواحد الدافي مداخلة حول خصوصية السياسة الجنائية في المجال الأسري، مستعرضًا التحديات التي تواجه تطبيق القوانين ذات الصلة بحماية الأسرة من العنف والجرائم المرتبطة بها. ومن جانبها، تناولت الدكتورة نورا خير موضوع الولاية الشرعية على الأبناء، مبرزة الإشكالات المرتبطة بتطبيقها بين النصوص القانونية والممارسة العملية. واختتمت الدكتورة منار راشد المداخلات بطرح إشكالية زواج القاصرات بين الأصل والاستثناء في أحكام المدونة، داعية إلى مراجعة بعض المقتضيات التي تسمح بهذا النوع من الزواج، بالنظر إلى آثاره الاجتماعية والقانونية.
فتح باب النقاش أمام الحاضرين، حيث أثارت المداخلات تفاعلات غنية بين المشاركين، مما يعكس الأهمية البالغة لهذا الموضوع في السياق المغربي الراهن. وقد اختتمت الندوة بتلاوة مقرر الجلسة العلمية الدكتور قاسم بن عز باحث بسلك الدكتوراه لمجموعة من التوصيات التي أكدت على ضرورة مراجعة بعض مقتضيات مدونة الأسرة، بما يضمن تحقيق التوازن بين أحكامها ومتطلبات الواقع الاجتماعي والتشريعي. شكل هذا اللقاء العلمي فرصة حقيقية لتقييم مسار المدونة واستشراف آفاق تطويرها، بما ينسجم مع المتغيرات المجتمعية ويستجيب لحاجيات الأسرة المغربية في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع.
وفي التفاتة رمزية ذات دلالة، تم تكريم الكاتبة العامة لكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بفاس السيدة حكيمة الغريم نظير المجهودات والخدمات التي تقدمها للكلية، وكانت أيضا فرصة لتقديم شواهد وتذكارات للأستاذات والأساتذة المشاركين في هاته الندوة.