بادرة إنسانية نبيلة: مدير أكاديمية فاس مكناس يوفر سكناً للتلميذة كوثر أبعلال دعماً لتفوقها واستكمالاً لمسيرتها بكلية الطب
هشام التواتي
في خطوة تنمّ عن وعي بالمسؤولية المجتمعية وإنصاف لقصة كفاح أثارت تعاطفاً واسعاً، بادر مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، فور علمه بوضعية التلميذة المتفوقة كوثر أبعلال، إلى التدخل العاجل لتوفير سكن خاص لها، يقع في مقر الثانوية التقنية بالقرب من كلية الطب بفاس، مما يضع حداً لمعاناة حقيقية كانت تهدد مستقبلها الأكاديمي.
كوثر أبعلال، التلميذة القادمة من مسار دراسي استثنائي، حققت معدلًا يقارب 19.23 في امتحانات البكالوريا، محتلة المرتبة الأولى في التعليم العمومي على الصعيد الوطني. حلمها، الذي لطالما راودها منذ سنوات، كان الالتحاق بكلية الطب لخدمة وطنها ومساندة الفئات المحتاجة إلى الرعاية الصحية. غير أن بداية هذه المرحلة الجامعية لم تكن في مستوى أحلامها، إذ وجدت نفسها، قبل أيام من انطلاق الدراسة، في مواجهة معضلة سكن خانقة، بعد أن استعصى عليها إيجاد غرفة قريبة من الكلية بسبب الأسعار المرتفعة التي تتجاوز طاقتها، بالنظر إلى وضعها الاجتماعي الصعب.
ظروف قاسية كانت تهدد بحرمان هذه الشابة النجيبة من متابعة دراستها، بعد أن خذلها الدعم المؤقت الذي تلقته عقب إعلان نتائج البكالوريا. لكن يقظة الإدارة التربوية الجهوية أعادت الأمل سريعاً، حين قرر مدير الأكاديمية التدخل بشكل شخصي لتوفير حل عاجل وعملي، يتمثل في تخصيص سكن آمن ومناسب لها داخل مؤسسة تعليمية قريبة من كليتها، وهو ما يعكس وعياً عميقاً بضرورة دعم التميز وإنصاف الطلبة المتفوقين، لا سيما حينما يكون التفوق مشفوعاً بالإرادة والإصرار، لكن محدوداً بالإمكانيات المادية.
ويأتي هذا التدخل كتجسيد ملموس لمعاني التضامن المجتمعي، كما يكرّس دور المؤسسات التربوية ليس فقط في التعليم، بل أيضاً في مواكبة المسارات الحياتية للمتعلمين المتميزين. وقد لقيت هذه المبادرة استحساناً واسعاً في الأوساط التربوية والإعلامية، معتبرة إياها مثالاً يُحتذى به في كيفية إنقاذ المسارات الواعدة من التعثر بسبب إكراهات لا علاقة لها بالكفاءة أو الجدارة.
كما تشكل قضية كوثر نموذجاً مصغّراً لصعوبات أوسع يعانيها عدد من الطلبة النجباء في العالم القروي أو في الأوساط الفقيرة، خاصة مع الارتفاع المهول لتكاليف الإقامة في المدن الجامعية الكبرى. ومن هنا، تبرز أهمية بلورة سياسات دعم مستدامة ومؤطرة لفائدة التلاميذ المتفوقين، تضمن لهم مقومات الاستمرار والتفوق في مختلف مراحل تعليمهم.
من جهتها، عبّرت التلميذة كوثر عن امتنانها العميق لهذا التدخل الذي وصفته بـ”المنقذ”، مؤكدة عزمها على مواصلة مسيرتها بكل تفانٍ لتحقيق حلمها بأن تصبح طبيبة تضع علمها وخبرتها في خدمة وطنها ومجتمعها، ومشددة على أن مثل هذه المبادرات لا تمنح فقط مأوى مادياً، بل تبث أيضاً دفئاً إنسانياً ومعنوياً يعيد الثقة ويغذي الطموح.
تدخل مدير الأكاديمية الجهوية لم يكن مجرد قرار إداري، بل هو موقف إنساني واستشراف لمسؤولية جماعية في دعم الأمل والتميز. فحين تلتقي الإدارة الرشيدة مع قصص التفوق، تُبنى جسور لمستقبل أفضل، وتُثبت المدرسة العمومية، مرة أخرى، أنها لا تزال قادرة على احتضان أحلام أبنائها، مهما كانت التحديات