الرياضة المدرسية… رافعة تربوية لتلميذ متوازن ومؤسسة ذات إشعاع
هشام التواتي
تشكل الأنشطة الرياضية المدرسية إحدى الدعائم الأساسية للعملية التربوية، باعتبارها آلية ناجعة لتعزيز الصحة الجسدية والنفسية للتلميذات والتلاميذ، وتكريس قيم المواطنة والانضباط، كما تسهم بشكل مباشر في التصدي لظواهر الهدر المدرسي والانحراف والعنف داخل المؤسسات التعليمية. ومن هذا المنطلق، تندرج المذكرة الوزارية رقم 25-097 الصادرة بتاريخ 06 أكتوبر 2025، التي تروم تقوية وتجويد وتوسيع نطاق الأنشطة الرياضية الموجهة للمتعلمين خلال الموسم الدراسي 2025-2026، في إطار الاستراتيجية الوطنية للارتقاء بالرياضة المدرسية التي تم التنصيص عليها في القانون الإطار 51.17 وخارطة الطريق 2022-2026.
إن القراءة التحليلية لهذه المذكرة تكشف عن رؤية شمولية تتجاوز الطابع التنافسي للرياضة، لتكرّس دورها كرافعة للتنمية الشاملة للتلميذ والمدرسة. فإلى جانب التأكيد على تعميم الممارسة الرياضية عبر تفعيل الجمعيات الرياضية المدرسية (ASS) في مختلف المؤسسات، وخاصة الابتدائية منها، تسعى الوزارة إلى ترسيخ مجموعة من المبادئ التربوية، من قبيل العدالة المجالية، والمساواة بين الجنسين، وإدماج الأطفال في وضعية إعاقة، في أفق إرساء مدرسة دامجة ومنصفة. ويبرز توجه واضح نحو تمكين كل تلميذ وتلميذة، دون استثناء، من حقه في ممارسة رياضة تناسب ميوله وقدراته، وذلك من خلال توسيع العرض الرياضي، وإدراج رياضات جديدة تحظى باهتمام الأجيال الصاعدة، وتنظيم أنشطة متنوعة تراوح بين التكوين، والتحسيس، والمنافسة.
وتكشف المذكرة عن وعي متزايد بأهمية استثمار الرياضة في ترسيخ القيم الإنسانية الكونية، إذ تم التنصيص على تخصيص أنشطة للتعريف بالقيم الأولمبية كالصداقة والاحترام والتميز، إضافة إلى ربط التظاهرات الرياضية بالموروث الثقافي المغربي المتنوع، عبر تنظيم زيارات موازية للبطولات. كما تولي الوثيقة أهمية كبيرة لرمزية “البطل الرياضي”، حيث تؤكد على ضرورة الاعتراف بمجهودات التلاميذ المتفوقين رياضيا، ومرافقتهم دراسيا، وتثمين مشاركتهم، ما من شأنه تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتحفيز باقي التلاميذ على السير على خطاهم.
وفي بُعد تنظيمي دقيق، توضح المذكرة أن تدبير الأنشطة الرياضية لن يتم بشكل عشوائي، بل وفق برنامج عمل سنوي منسق بين المستويات الإدارية، من المؤسسة التعليمية إلى المديرية الإقليمية، فالأكاديمية، وصولا إلى المستوى الوطني، مع برمجة بطولات مدرسية متدرجة (محلية، إقليمية، جهوية، ما بين الجهات، وطنية ودولية)، وتوزيع عادل للبطولات على الجهات، بما يضمن تكافؤ الفرص. وتكشف الوثيقة عن توجه نحو الرقمنة، من خلال تدبير مختلف العمليات المرتبطة بالأنشطة الرياضية عبر منظومة “مسار”، ما سيساعد على تتبع المشاركات وتسهيل التواصل والتنسيق بين مختلف المتدخلين.
ولا يمكن إغفال البعد البيئي في هذه المذكرة، حيث تم التنصيص على تنظيم أنشطة تحسيسية بيئية موازية للبطولات، سعيا إلى ترسيخ وعي بيئي لدى التلاميذ. كما تم التأكيد على ضرورة احترام السلامة الصحية والبدنية للمشاركين، من خلال إلزامية التأمين الرياضي، وتوفير الإسعافات الأولية، والحرص على احترام شروط كل رياضة.
إن ما يميز هذه المذكرة هو إيلاؤها أهمية خاصة للمؤسسات التعليمية باعتبارها فضاء حاضنا للهوية الرياضية، حيث تم التأكيد على أن الفرق التي تمثل المؤسسة يجب أن تتكون من تلامذتها فقط، دون تطعيم خارجي، حفاظا على الانتماء والهوية، ما من شأنه تعزيز روح الفريق والانتماء المدرسي.
كما تعكس المذكرة وعيا بدور الرياضة في دعم التعلم، خاصة في سياق مشروع “إعداديات الريادة”، الذي يهدف إلى تقديم نموذج مدرسي يحفز التلاميذ على التعلق بالمؤسسة، ويجمع بين التأطير التربوي والارتقاء بالمهارات الرياضية.
إن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، من خلال هذه المذكرة، لا تسعى فقط إلى تنظيم أنشطة رياضية موسمية، بل إلى ترسيخ ثقافة رياضية مدرسية دائمة، تنبع من صلب المشروع التربوي، وتدمج التلميذ في منظومة متكاملة من القيم، والانضباط، والمواطنة، والتميز، في أفق مدرسة عمومية ذات جودة، حاضنة للمواهب، ومجال لتكافؤ الفرص، ومدخل لتحقيق تنمية بشرية حقيقية.
بناء على ذلك، فإن الرهان على الرياضة المدرسية لم يعد خيارا تكميليا، بل أضحى ضرورة استراتيجية، تقتضي تعبئة شاملة لكل الفاعلين التربويين والإداريين والشركاء المحليين والوطنيين، لتوفير بيئة حاضنة ومحفزة، تعزز من خلالها المدرسة دورها كفاعل في بناء شخصية مواطن الغد، القوي بدنه، السليم فكره، والمتزن سلوكه.










