الأسرة في ضوء مقاصد الشريعة
نظمت جمعية فاس روح إفريقيا بشراكة مع الجمعية الوطنية للمرأة العدل وجمعية منتدى الألفة للتنمية الأسرية ومؤسسة التواصل النسائي الدولي بمقر جماعة فاس خلال نونبر المنصرم ندوة علمية تحت عنوان مدونة الأسرة والتعديلات المرتقبة.
فالأسرة، حسب المداخلات، تعد من أقدم وأهم المؤسسات التي عرفتها البشرية, التي عاشت عصورا طويلة في كنفها في ظل أنظمة مختلفة, وما تزال هذه المؤسسة إلى اليوم تحظى بهذه الأهمية, ويعترف لها بالفاعلية والايجابية في الحياة, والدليل على ذلك هذه اللقاءات التي تعقد هنا وهناك, وهذا النقاش المتعدد الجوانب ومن مختلف الأطياف, الذي يدار هنا وهناك, فاعلون متعددون يودون أن يدلوا بدلوهم في النقاش حول قضايا الأسرة بما يصلح من شانها ويعلي من قدرها, ويسهم في جعلها تقوم بأدوارها المنوطة بها, ولا شك أن أهمية الأسرة تكمن كذلك في كونها المؤسسة الوحيدة التي تعنى بإنتاج اعز ما في هذا الكون وأغلى ما في هذا الكون والمسؤول عن هذا الكون كذلك, ألا وهو الإنسان, هذا الإنسان إنما تنتجه الأسرة, هذا الإنسان الذي كرمه الله وسخر له كل ما في الكون لينتفع به, وجعله الله كذلك وبالمقابل مسؤولا عن هذا الكون ومستخلفا فيه من اجل اعماره والمحافظة على صلاحه, وإنما ترعاه وتنشئه مؤسسه الأسرة.
كل هذا الكلام، استنادا إلى ماجاء في المداخلات، يجعلنا نقر بمكانه الأسرة وبأهميتها في حياه الإنسان.
· تجليات مقاصد الشريعة في مدونه الأسرة :
من أهم الأمور التي يجب أن نشد عليها بحرارة في هذا القانون، والذي يمكن اعتباره من تجليات مقاصد الشريعة، هو التسمية، فهذا الاسم يوحي بأهمية هذه المؤسسة، فقبل كانت تسمى مدونه الأحوال الشخصية، نقلا عم عند الغرب، فالغربيون يعتبرون هذه القضايا أمورا شخصية، وحسنا فعل المشروع المغربي عندما استبدل هذا الاسم باسم مدونه الأسرة سنة 2004، ذلك بأن قضايا الأحوال الشخصية توحي أن قضايا الزواج والطلاق والأبناء والنسب هي أمور شخصية، في حين اسم الأسرة يدل على أن هذه القضايا ليس شخصية بل هي أمور تهم المؤسسة برمتها، ومن ثم ينبغي أن يوضع في اعتبار كل طرف من أطرافها انه ليس قضايا الأسرة تعنيه بشكل شخصي، وإنما هناك حقوق وعلاقات متشابكة تتعلق بكل مكونات هذا الجسم الذي هو الأسرة، وهذا الأمر يجسد الفلسفة الإسلامية في الأسرة، ويبرز المقاصد الشرعية التي تغياها الشارع من تشريع الأسرة، ولذا فإن قضيه الزواج مثلا ليست مسالة شخصية بل هي أمور أسرية عائلية، ولنأخذ زواج الولد مثلا أو البنت عندنا، من يزوجه، ومن يسهر على ترتيب أمور الزواج، ومن يساعد في اختيار الزوجة وعائلتها، إنما يتم الزواج في ثقافتنا وعاداتنا وأعرافنا بين عائلتين وأسرتين، وليس بين رجل وامرأة.
وهكذا فإن المتأمل في مدونة الأسرة يجد أن هذه الكلمة تتكرر غير ما مرة، مما يعني أن هذا المقصد كان حاضرا لدى المشرع، فهو يضع مثلا في موقع الزوج والزوجة كلمة الأسرة، وتبعا لذلك أصبح عندنا محكمة الأسرة وقاضي الأسرة بما هو منوط به من أدوار الهدف منها الحفاظ على مؤسسة الأسرة، مما يصوغ معه القول بأن الرؤية العامة والمقصد الأسمى من هذا القانون هو المحافظة على هذه المؤسسة وتعزيز مكتسباتها وحمايتها من كل ما من شأنه أن يتهددها، أو يقوض أركانها، أو يقضي على أدوارها وغاياته.
· من تجليات مقاصد الشريعة في المدونة:
المادة 4 الزواج ميثاق تردد وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين سبقا لأحكام هذه المدونة فها نحن نرى أن البعد المقاصدي بين في هذه المادة فالمقصد من الزواج تحقيق الإحصان والعفاف، وكذا تكوين هذه المؤسسة التي نتحدث عنها التي هي الأسرة.
المادة 26 الصداق هو يقدمه الزوج لزوجته إشعارا بالرغبة في عقد الزواج وإنشاء أسرة مستقرة، وتثبيت أسس المودة والعشرة بين الزوجين، وأساسه الشرعي هو قيمته المعنوية والرمزية، وليس قيمته المادية.
وهو ملمح أخر يحيل على المقاصد الشرعية من الزواج، فقط تم فقد تم صرف النظر عن الجانب المادي في الصداق وتم التركيز فيه على قيمته المعنوية والرمزية، وعلى الغاية منه وهي الدلالة على الرغبة في تكوين أسرة مستقرة يطبعها الود وحسن العشرة والتعاون على إنشاء هذه المؤسسة التي تصنع الإنسان، صحيح أن الفقهاء يتحدثون عن مقدار الصداق والنزاع فيه أحيانا بين الزوجين وما إلى ذلك، لكن ذلك ليس معناه أن القيمة المادية هي المقصد من الصداق، وإنما طبيعته المادية العوضية تتطلب بيان الالتزام به وكيفية أدائه وحسم النزاع القائم بشأنه لأنه في نهاية المطاف يعد حقا من الحقوق التي وجب أن تصل لأصحابها.
· من التجليات كذلك. ما يتعلق بالنسب باعتباره مقصدا من مقاصد الشريعة، فقد كان المشرع حريصا على حفظه وحمايته.حيث يلاحظ أن المشرع توسع في وسائل إثبات النسب، في حين ضيق كثيرا من سبل نفيه.
ماده 153 يثبت الفراش بما تثبت به الزوجة.
يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب، لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان، أو بواسطة خبرة تفيد القطع، بشرطين :
- إدلاء الزوج المعني بدلائل قويه على ادعائه،
- صدور أمر قضائي بهذه الخبرة.
المادة 154 :
يثبت نسب الولد بفراش الزوجية،
1- إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا،
2- إذا ولد خلال سنه من تاريخ الفراق.
وعلى العموم فإن الناظر في المدونة وفي أهداف وضعها والملامح العامة التي تطبعها المستقاة طبعا من روح الشريعة ومقاصدها، المستلهمة لحكمها وأسرارها، المراعية لمصالحها والمتجنبة لمفاسدها ليرى ان الفلسفة العامة والغايات الكبرى التي تهدف إليها هي المحافظة على هذه المؤسسة وعليه أقول كخلاصة لهذه الكلام.
إن النظر في قانون مدونة الأسرة لابد أن يستحضر المقاصد الكبرى من تشريع أحكام الأسرة،وان يراعي الأهداف العامة لمجمل أحكامها،فليس أحكام الأسرة محل مزايدة من طرف الفرقاء ولا مختلف الفاعلين، لأن هذه الأحكام تمس كيان المجتمع وتنظم العلاقات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بقضايا الحلال والحرام، فكثير من هذه الأحكام فيها نصوص قاطعه لا محل فيها للاجتهاد،وحتى القضايا التي يسوغ فيها الاجتهاد لابد وان يراعي فيها القواعد العامة للشريعة،وان تستحضر فيها مقاصد الشريعة من مثل رعاية المصالح ودرء المفاسد، ولذا فلا ينبغي النظر بشكل جزئي لبعض المقتضيات وإنما ينبغي التعامل معها في سياقها العام، واستحضار فقه المالات وما تؤدي إليه تلك الأحكام من نتائج. فكثير من المقتضيات يختلف الأمر فيها بين النظر إليها بشكل جزئي وبين النظر إليها في السياق العام وفي المنظومة برمتها.. قضايا الإرث قضايا التعدد زواج القاصرات.....