فاس: الطالب الباحث عبد اللطيف بلكحل يحصل على الدكتوراه في الشريعة بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع والتنويه بالبحث والباحث في موضوع "إجراءات تحقيق الدعوى في الفقه المالكي والقانون المغربي"

فاس: الطالب الباحث عبد اللطيف بلكحل يحصل على الدكتوراه في الشريعة بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع والتنويه بالبحث والباحث في موضوع "إجراءات تحقيق الدعوى في الفقه المالكي والقانون المغربي"

هشام التواتي

شهدت كلية الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس يوم الجمعة 29 يوليوز 2022 مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في موضوع إجراءات تحقيق الدعوى في الفقه المالكي والقانون المغربي" تحت إشراف الأستاذ محمــد مصمودي. وتألفت لجنة المناقشة، إلى جانب الأستاذ المشرف، من كل من الأستـاذة نجـــــــاة حــافيــــــــظـي، والأستاذ عبد القادر بوعصيبة، والأستـاذ  أحمــد الامراني.

وقد تجلت أهمية موضوع إجراءات تحقيق الدعوى في الفقه المالكي والقانون المغربي في راهنيته، وفي الدينامية التي تعرفها بعض قواعده، وكذلك في ارتباطه بحياة الناس وضمان أمنهم القضائي. كما أن اشتغال الطالب الباحث بقطاع العدل واهتمامه بقانون المسطرة المدنية، كان حافزا أساسيا له ودافعا قويا لهذا الاختيار، حيث لم يسبق أن أجريت أية دراسة مستفيضة لمختلف إجراءات تحقيق الدعوى في قانون المسطرة المدنية، وقانون الالتزامات والعقود المغربي، مقارنة بالفقه المالكي.

وتمحورت إشكالية الموضوع الرئيسية حول تحديد طبيعة إجراءات تحقيق الدعوى في علاقتها بوسائل الإثبات في القانون المغربي ومقارنتها بوسائل الإثبات في الفقه المالكي، مع بيان أثرها في سير الدعوى، وفي تكوين قناعة القاضي، قبل الفصل في الخصومات. 

واعتمد الطالب الباحث في هذا البحث المنهج المقارن، في عرض آراء فقهاء المذهب المالكي، مع بيان ما نص عليه القانون المغربي؛ كما اعتمد المنهج الاستقرائي في تناول نصوص القانون، و اجتهادات القضاء المغربي، مشيرا في كثير من المواضع لآخر المستجدات القانونية، وعلى رأسها ما يتضمنه قانون التنظيم القضائي، ومشروع قانون المسطرة المدنية، ومسودة مشروع قانون المحاماة، مع التعليق عليها، وإبراز أوجه القوة أو القصور فيها وتدعيمها أحيانا بعرض أمثلة مقارنة، من قوانين عربية أو غربية. 

وخلص الباحث عبد اللطيف بلكحل في دراسته هاته لمجموعة من النتائج، أهمها أن فقهاء المالكية ميزوا بين دعاوى التهم والعدوان ودعاوى غير التهم والعدوان، ويقابل هذا التصنيف في التشريع المغربي تقسيم الدعاوى إلى مدنية وزجرية، وهذا التقسيم الثنائي بدوره أصبح متجاوزا منذ تبني نظام القضاء المتخصص؛ حيث ظهر القضاء التجاري، والقضاء الإداري، وكذلك القضاء الاجتماعي من خلال تجربة المحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء التي تنظر في قضايا الأسرة، وقضايا منازعات وحوادث الشغل؛ وفي دعاوى غير التهم تنوعت مداخل تمييز الدعوى وتصنيفها عند فقهاء المالكية: إما باعتبار المدعين أو المدعى عليهم، أو الحق موضوع الدعوى.

 أما المشرع المغربي، فقد اقتصر في تمييزه لأنواع الدعوى على موضوعها، مرتبطا أساسا بتحديد جهة الاختصاص الموكول لها النظر في الدعوى، مع استثناء تحديد الاختصاص بحسب أطراف الدعوى؛ في المادة التجارية، إذا كان أحد طرفي النزاع مدنيا والآخر تاجرا.

كما اهتم فقهاء المالكية، حسب الباحث، في معرض حديثهم عن شروط إقامة الدعوى بصحة موضوعها حيث استبعدوا بذلك مجموعة من الدعاوى التي من شأنها شغل القضاء عن النظر في القضايا الجدية والجديرة بالنظر. بينما ركز المشرع المغربي على الشروط الواجب توافرها في أطراف الدعوى، ومرد ذلك لعدم تعرض المشرع المغربي لأركان الدعوى، إذ كان عليه أن يفصل بين الشروط الواجب توافرها في أطراف النزاع، وتلك المرتبطة بموضوع الدعوى كخصومة. 

وقد ركز فقهاء المالكية عند تناولهم لكيفية تصحيح الدعوى على المدعى به أو موضوع الدعوى، أو الحق المطالب به، وهو أمر طبيعي بالنظر لما كان عليه أمر القضاء في ذلك الوقت، وطريقة التقاضي، وكذلك أنواع القضايا المعروضة على القضاة. إلا أن تطور الأنظمة القضائية وتغير بنيتها التقليدية فرض ظهور مجموعة من القواعد الجديدة؛ من قبيل الحديث عن الاختصاص النوعي، والمكاني، وغيرها من المفاهيم الحديثة التي سخرت لخدمة المتقاضين وحفظ حقوقهم، وتبسيط ولوجهم للعدالة. ما انعكس بالضرورة على كيفية التعامل مع الدعاوى، و كيفية تصحيحها.

وقد أشار الطالب الباحث، في متن الدراسة، إلى أن الكلام عن تطور الأنظمة القضائية وما واكبه من ظهور قواعد ومفاهيم جديدة، لا ينزع عن فقهاء المالكية سبقهم وتأصيلهم لمجموعة من القواعد الإجرائية؛ بل عملهم ببعضها، من قبيل انعقاد الاختصاص لقاضي بلد إقامة المدعى عليه.

كما تحدث فقهاء المالكية قديما عن إنذار القاضي للمدعي أو المدعى عليه، وإعذارهما بتقديم حججهما، فإذا صحت الدعوى سأل الحاكم المطلوب عنها؛ ليقر، أو ينكر، أو يدفع بعكس ما يدعيه عليه خصمه وهو ما يعرف بالدفع الذي فصل فيه رجال القانون حديثا حسب ما ورد ذكره.

موافقة ما ذهب إليه المشرع المغربي عند تناوله للنصوص القانونية المتعلقة بالوكالة في الدعوى للرأي الراجح أو المشهور أو المتفق عليه في المذهب المالكي، مثل جواز الوكالة بعوض، وجواز توكيل المدعى عليه الحاضر، وكذلك المرأة طالبة كانت أو مطلوبة، وفي تعيين الوكيل من يقوم مقامه. 

كما أجاز المشرع المغربي بعض الأمور التي منعها فقهاء المالكية، مثل توكيل أكثر من واحد في مواجهة الخصم في الدعوى الواحدة، وعدم اشتراط عدد الجلسات التي تعتبر معيارا لمنع التوكيل، كما أجاز للمرأة أن تكون وكيلا في الدعوى.

وفي تحديد القيمة الموضوعية لإجراءات التحقيق وبيان طبيعتها، ومدى تأثيرها في مسار الدعوى وفي تكوين قناعة القاضي وحدود سلطته في الأخذ بهذه الوسائل، لمساعدته على التوصل للحقيقة والفصل في الخصومة، ذهب بعض فقهاء المالكية،  إلى أن أدلة الإثبات غير محصورة في طائفة معينة، وبالتالي لا يتقيد الخصوم في إثبات الدعاوى والدفوع، والحقوق عامة بدليل أو حجة، ولا يمتنع القاضي عن قبول أي دليل أو حجة تقدم إليه متى كانت تؤيد الدعوى، وتثبت الحق المدعى به، وهو رأي ابن القيم وابن فرحون المالكي ومن وافقهم.
فقد فسروا البينة بكل ما أبان الحق وأظهره، ولم يفرقوا في ذلك بين ما ورد فيه نص بخصوصه وكان معنى البينة يشمله، وقالوا: إن البينة وردت في لسان الشرع مرادا بها الحجة والدليل، ولم تأت مرادا بها الشهود وحدهم.

وفي بيان رأي المشرع المغربي في إعمال بعض الوسائل الحديثة للإثبات في علاقتها بقواعد الفقه المالكي، نذكر المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة فيما يتعلق بوسائل إثبات النسب من زواج صحيح أو باطل أو فاسد. 

أما فيما يتعلق ببيان طبيعة الوسائل والإجراءات المعتمدة في تحقيق الدعوى، إن كانت جميعها وسائل إثبات، أم مجرد قواعد مسطرية يلجأ إليها القضاة لاستكمال البحث، فيرى الباحث بأنه من الصعب الجزم بهذا التقسيم الفاصل بين ما هو موضوعي، وما هو شكلي أو إجرائي؛ بالنظر لتداخل ما هو إجرائي بما هو موضوعي من جهة، و لإدراج المشرع المغربي اليمين القانونية في قانون الالتزامات والعقود وإن كان قد أحال على فصول قانون المسطرة المدنية من جهة أخرى، ويؤكد هذا التداخل تشابه بعض جوانب الشهادة مع البحث، وتلاقي بعض جوانب القرائن مع المعاينة.

وتابع الباحث بأنه يمكن تبني تمييز آخر بين ما هو وسيلة من وسائل الإثبات وما هو إجراء من إجراءات التحقيق وذلك بالنظر للجهة التي تقدمه، فإن كان من جهة أحد طرفي النزاع فهو وسيلة من وسائل الإثبات، وإن كان من جهة المحكمة أو القاضي المقرر فهو إجراء من إجراءات التحقيق.
    
كما أن إجراءات تحقيق الدعوى في القانون المغربي، ليست من النظام العام، ولا يترتب عن عدم أخذ القاضي بها وإن طلبها الأطراف أي أثر قانوني؛ شريطة تعليل قراره الصادر باستبعادها، والفصل في الدعوى دون الاعتماد عليها.  

وفي بيان أوجه الاختلاف والاتفاق وكذلك التكامل بين إجراءات تحقيق الدعوى في الفقه المالكي والقانون المغربي، يتضح أن وسال الإثبات في الفقه المالكي تمنح القاضي حرية أكبر؛ من خلال اعتماد مجموعة من الوسائل وإن لم تكن موضع إجماع فقهي، بل اشتد الخلاف في المذهب بشأنها ومدى حجية حكم القاضي المبني عليها، من قبيل القيافة، والفراسة، إذ هناك من استبعدها من خانة وسائل الإثبات واعتبرها مجرد آراء شخصية، أو اجتهادات يغلب عليها الحدس، وبالتالي لا يجوز شرعا تأسيس الحكم عليها، رغم الأهمية البالغة التي تكتسيها، والسند الشرعي الذي تتأسس عليه. وهو ما يفسر عدم تطرق قانون المسطرة المدنية أو قانون الإلتزامات والعقود المغربي لها؛ حيث يمكن الاستعاضة عنها بما يعرف بالاجتهاد القضائي.

وقد أفرزت هذه النتائج بعض التوصيات من قبيل: ضرورة جمع وسائل الإثبات في مدونة مستقلة، مع تعديل وتحيين النصوص القانونية المتعلقة بها لتستجيب لما وصل إليه  التقدم العلمي، مع الاستفادة من وسائل الإثبات العلمية، بعد إعمال السلطة التقديرية للقاضي بخصوصها، كما من شأن هذا التجميع رفع اللبس الحاصل في قانون المسطرة المدنية حول طبيعة إجراءات التحقيق هل تنحصر في ما نص عليه المشرع في الفصل 55 من هذا القانون، أم تتعداه إلى جميع الإجراءات التي تتطلبها الدعوى، منذ تقديم المقال الافتتاحي للدعوى إلى حين صدور الحكم وتبليغه وتنفيذه.

تبني التنظيم القضائي المغربي لمجموعة من الأركان التي تناولها الفقه المالكي للتغلب على مجموعة من المشاكل والإكراهات، التي تعيق تطور منظومتنا القضائية، وتزيد من مشاكلها وتعقيداتها، وهي أمور اهتم بها فقهاؤنا وأولوها العناية اللازمة؛ من قبيل شروط تولي القضاء، التي يجب إعادة النظر فيها بشكل أكثر جرأة مما هو عليه اليوم، ثم أيضا ركن وقت القضاء، ويكفينا الحديث النبوي دليلا على أهمية هذا الجانب لخدمة العدالة وإنصاف المتقاضين حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقضي القاضي وهو غضبان"، فقد رتب صلى الله عليه وسلم البطلان على قضاء القاضي في حالة الغضب. ويرى الباحق بأن المقصود هنا القضاء بمفهومه العام، وليس ساعة النطق بالحكم فحسب، لأن القاضي تصدر عنه أوامر وقرارات كثيرة أثناء الجلسة الواحدة قبل الوصول للحكم في الدعوى، ما قد يعرض هذه القرارات للتأثر سلبا بحالة الغضب التي قد تعتريه  أثناء انعقاد الجلسة.

تفعيل التبادل الإلكتروني للوثائق والمعلومات بين المحاكم ومختلف مساعدي القضاء، خاصة الخبراء بمختلف تخصصاتهم، وذلك لتسريع وتيرة الإجراءات، والبت في مختلف الطلبات.

إن دراسة موضوع إجراءات تحقيق الدعوى من الناحية الفقهية والقانونية، في إطار مقارن، أظهرت أوجه الاتفاق والاختلاف بين ما جاء به الفقه المالكي، وما نص عليه المشرع المغربي في مجموعة من النصوص القانونية الخاصة والعامة. كما بينت بشكل جلي سبق الفقه الإسلامي وخاصة الفقه المالكي إلى تكريس العديد من إجراءات التقاضي.

وبعد نقاش مستفيض امتد لأربع ساعات، اختلت اللجنة العلمية للمداولة لتنعلن عقبها عن قبول الأطروحة  وتقرر منح الطالب الباحث عبد اللطيف بلكحل درجة الدكتوراه في الشريعة بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع مع التنويه بالبحث والباحث.